نزاع مقر جمعية جدة للثقافة والفنون- من الاحتلال إلى اللجوء؟

المؤلف: سلطان البازعي08.15.2025
نزاع مقر جمعية جدة للثقافة والفنون- من الاحتلال إلى اللجوء؟

لم أعتزم الخوض في غمار الجدل الدائر حالياً حول مقر الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في جدة، ذاك الجدل الذي أشعله المعلقون في صفحات الجرائد ومنصات تويتر، وتنافس فيه الزملاء الصحفيون في اقتناص التصريحات المتضاربة من كلا الطرفين. وقد قدمت اعتذاري المسبق للصديق محمود تراوري عن عدم التعليق، وذلك للأسباب الموجبة التالية:

أولاً: إن ملف مقرات جمعية الثقافة والفنون المنتشرة في ربوع المملكة – بما في ذلك فرعها النديّ في جدة – يقع الآن قيد اهتمام وعناية معالي وزير الثقافة والإعلام. الوزير الكريم قد وجه بتشكيل لجنة مشتركة من الجمعية ووكالة الوزارة الموقرة للشؤون الثقافية، مهمتها دراسة هذه المسألة والعمل الدؤوب على إيجاد حلول بديلة تزيح عن كاهل الجمعية أعباء الإيجارات المرهقة. سواء أكان ذلك من خلال الاستفادة من المراكز الثقافية الجذابة التي أنشأتها الوزارة في بعض المناطق، أو في المباني الفسيحة التي تمتلكها الوزارة كالمكتبات العامة الغنية بمصادر المعرفة، كما حدث مؤخراً لفرع الأحساء الزاهر، حيث تفضلت الوزارة مشكورة بالسماح للجمعية بالعمل انطلاقاً من مبنى المكتبة العامة واستغلال المساحات الواسعة غير المستغلة في أروقة المبنى. لذا، فإنه من غير اللائق أبداً بالجمعية أن تخوض في نقاش موضوع مازال قيد الدراسة والحل لدى الوزارة الوصية.

ثانياً: إنه لمن المحزن حقاً أن تتنازع مؤسستان ثقافيتان مرموقتان – وكلتاهما تعتبران من مؤسسات المجتمع المدني العريقة – على مقر متواضع، يفترض به أن يكون منصة شامخة لنشر الإبداع الراقي والفنون الرفيعة. والأمر يزداد سوءاً عندما يكون أحد طرفي النزاع ميسور الحال، يفيض بالمال الوفير، ويمتلك مبنى فخماً تم التبرع به بسخاء من قبل أحد رجال الأعمال الخيرين المعروفين، ويعادل في مساحته الشاسعة وإمكاناته المتعددة ثلاثة أضعاف المبنى الصغير الضيق الذي يبدو وكأنه ملحق خفي بالمبنى الشامخ. بينما الطرف الآخر ينوء تحت وطأة الإيجارات الباهظة في معظم فروعه المنتشرة. ومن المعيب أيضاً أن نكشف خلافاتنا وننشر غسيلنا أمام العباد، بدلاً من السعي الجاد نحو التوصل إلى تفاهم مثمر يؤدي إلى أنشطة مشتركة متينة تحقق تكامل العمل الثقافي الوثيق بين الأدب والفنون (كما حدث في ملتقى الشعر الثاني المبهج الذي نظمته الجمعية بالدمام وأثار حساسية بعض إخوتنا الأدباء الكرام).

ثالثاً: أي نظرة احترام ستحظى بها جهودنا من قبل الدولة الموقرة ونحن «نتقاتل» وبهذه الطريقة الفجة غير اللائقة؟ وهل ستأخذنا الدولة على محمل الجد وتشركنا بفاعلية في حمل طموحات رؤية المملكة 2030 الطموحة؟ وأي تقدير سيحمله لنا جيل الشباب الواعد ونحن نتبادل الاتهامات الضمنية والاستفزازية، من قبيل الإشارة المشينة إلى تنظيم «مسامرات تمتد حتى آخر الليل»؟

إن ما دفعني إلى كسر صمتي والتعليق على هذا الأمر المؤسف هو اتهام أخينا الأكبر الدكتور سعيد السريحي للجمعية باحتلال مبنى النادي، وتهديده لنا باللجوء إلى السلطات القضائية والتنفيذية (عكاظ 9 يناير 2017).

صدقوني، لقد ابتسمت ملياً عندما قرأت ذلك الاتهام الغريب، وحاولت جاهداً أن أجد تفسيراً منطقياً لتهمة الاحتلال هذه، فلم أجد سوى صورة إخوتنا الفلسطينيين القابعين في مخيمات اللجوء، والذين تسعى إسرائيل جاهدة لطردهم بدعوى أنهم محتلون غاصبون لأرض الميعاد.

ولعلي هنا «أستغيث» بالدكتور السريحي المبجل أن يتوسط لنا مشكوراً لدى أعضاء الجمعية العمومية الموقرة ومجلس الإدارة الرشيد في نادي جدة الأدبي، وأن يغيروا وصفنا المهين من محتلين بغاة إلى لاجئين مسالمين، لعل الله عز وجل يفتح على يديه الكريمتين باب الأمل لنحظى بما حظوا به من هبات سخية وتبرعات جزيلة ومنح قيمة.

ويساورني الشك العميق في أن الدكتور السريحي قد اطلع بتمعن على الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة التي تنظمها جمعية الثقافة والفنون في جدة وقارنها بإنصاف مع أنشطة النادي، لعله يجد فيها ما يؤهلنا بجدارة لأن نطلب ما طلبوه هم من أراض واسعة ومبان فخمة وأموال وفيرة. ولعلي أذكر الدكتور السريحي بحقيقة دامغة واحدة فقط، وهي أن تكلفة إنتاج مسرحية واحدة متواضعة الإنتاج تعادل على الأقل تكاليف 20 نشاطاً منبرياً متنوعاً من محاضرات قيمة وأمسيات شعرية أو قصصية ممتعة.

وأحيل الدكتور السريحي المحترم إلى مقال الروائي المبدع الأستاذ عبده خال المنشور في نفس الصحيفة (عكاظ 5 يناير 2017)، والذي كفى ووفى في الحديث المستفيض عن تاريخ المبنى العريق ومن أنشأه ولأي غرض نبيل، كما تحدث بصدق وأمانة عن أنشطة الجمعية الحثيثة وجهودها الدؤوبة مقارنة بأنشطة النادي الأخرى. كما أحيله أيضاً إلى شهادة العلامة الدكتور عبدالله مناع القيمة في (إثنينية) الأديب عبدالمقصود خوجة، وإلى شهادة صاحب (الإثنينية) نفسه باعتباره أحد الذين تبرعوا بسخاء لإنشاء ذلك المبنى الشامخ.

وأخيراً أتوجه بنداء ودي إلى صديقي العزيز رئيس النادي الدكتور عبدالله السلمي وإلى السيدات والسادة المحترمين أعضاء الجمعية العمومية ومجلس الإدارة الموقر: إذا كنتم لا ترغبون في قبولنا كلاجئين مؤقتين لحين أن يمن الله علينا بمكان أمين نلجأ إليه، فأظهروا لنا مشكورين صكوك ملكيتكم الرسمية للأرض والبناء، ولننطلق سوياً نحو ساحات القضاء العادل، فربما عندها تفوزون بالشرف النادر بأن تكونوا أول مؤسسة ثقافية تقوم بإجلاء مؤسسة ثقافية شقيقة (أو حتى ابنة عم) من رحابها الفسيحة.

*رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة